Friday 25 July 2008

المراهقة الأمريكية والشاب الأردني

المراهقة الأمريكية والشاب الأردني

بقلم : عماد رجب
شاهدت فيلما تسجيليا أمريكيا‏,‏ يحكي قصة مراهقة أمريكية‏,‏ فشلت فشلا ذريعا في دراستها الثانوية ورياضتها المفضلة كرة السلة‏,‏ وانحرفت فحملت ثم حاول مدرب كرة السلة بمدرستها‏,‏ أن يساعدها علي اجتياز هذه المرحلة العصيبة‏,‏ فاتحا لها ذراع المساعدة‏,‏ حتي نجحت في الالتحاق بإحدي الجامعات الكبري‏,‏ عبر منحة مجانية للفائقين‏,‏ ورأيت كيف يتم التعامل مع الموهوبين في الدول المتقدمة‏,‏ وتحسرت علي مواهبنا التي تموت قبل أن تولد بلا عزاء‏.


‏ولست هنا أتحدث عن فتاة منحرفة أخلاقيا‏,‏ وإنما عن تجربة استيعاب قدرة ومهارة‏,‏ وموهبة بغض النظر عن أخطائها وموقفها القانوني أو الشرعي فله من يقننه‏,‏ فأهم ما يميز الدول المتقدمة عن المتأخرة هي الأفكار‏,‏ ففي الدول المتقدمة يبحثون عن الأفكار الجديدة التفاعلية فيعطونها كل الاهتمام‏,‏ ويقدمون لها الدعم الكامل‏,‏ كما حدث مع شباب الفيس بوك والبلوج من تقييم لأفكارهم بالمليارات‏,‏ وكما حدث مع صناعة التجارة الإلكترونية التي بناها بضعة شباب وأصبحت تدر دخلا يتعدي ثمانين مليار دولار سنويا‏,‏ وكما حدث مع آلاف العلماء العرب الذين بنوا حضارات الغرب بعلمهم بعدما أمدت لهم الدول الغربية يد المساعدة والاهتمام سواء كان دعما رسميا أم تجاريا يهدف للربح‏,‏ فهناك تولد الفكرة وهناك تجد من يرعاها‏.

ولست أطالب هنا بمليارات للأفكار وإنما الرعاية‏,‏ ببعض الملايين أو الآلاف التي تنفق علي كرة القدم أو الفنون‏,‏ فالشباب لديهم الكثير لكن من يستمع لهم؟‏!‏وهناك بعض الدول العربية التي بدأت تتعلم الدرس كالأردن التي أصبحت التجارة الإلكترونية والبرمجيات تدر لها ملايين الدولارات‏,‏ والتي أسسها ثلاثة شبان فقط هم سميح طوقان وفادي غندور وحسام خوري‏,‏ فكروا ووجدوا من يدعم فكرتهم‏,‏ بعد رحلات مكوكية لطوقان باحثا عن داعم لمشروعهم العربي‏,‏ حتي أثمرت جهوده في عام‏2000‏ بمبلغ‏5,2‏ مليون دولار من إي إف جي ـ هيرمز بحسب فوربس العربية‏,‏ تحولت إلي ثروة كبري فتحت بابا جديدا للرزق والفكر والعلم‏,‏ وجعلت فكرته ضمن أشهر‏10‏ شخصيات تأثيرا في الوطن العربي مع كبار مشاهير العلم والفكر بعد تربع موقعه علي المركز الأول عربيا‏

‏ وموقع شبوة اليمني الذي يخطط لإنشاء جامعة إقليمية بعد نجاحه‏..‏وكذا التجربة الهندية لخلق صناعة وطنية للبرمجيات‏,‏ والمقولة الشهيرة بناء الهند بأيدي الهنود والتي بدأت عام‏1998‏ وأصبحت قيمتها‏50‏ مليار دولار سنويا‏,‏ كما يقول عباس في دراسته حول التجربة الهندية لخلق قطاع وطني لتكنولوجيا المعلومات‏,‏ وبحسب المنظمة الوطنية لشركات البرمجة في الهند‏:‏ بلغ حجم تجارة البرمجيات خلال عام‏2000-1999‏ فقط إلي‏7,5‏ بليون دولار منها‏4‏ بلايين دولار حصة التصدير لهذه البرمجيات‏,‏ و‏7,1‏ بليون دولار كانت حصة السوق المحلية من نتاج العقول الهندية‏.

‏واستطاعت الهند أن تحقق قفزة في عدد المبرمجين ليصل عام‏1997‏ إلي‏160‏ ألف مبرمج وفي عام‏2000‏ إلي‏340‏ ألف مبرمج فاستطاعت أن تسد حاجتها من المبرمجين الأكفاء وتصدر سنويا‏60‏ ألف مبرمج للدول الأوروبية‏,‏ بالإضافة إلي التطور الهائل في جميع المجالات التكنولوجية والعلمية التي صاحبت الثورة التكنولوجية بالرعاية الحكومية‏..‏وبدلا من الحلقات المتكررة لرجل في الثمانين يبيح القبلة والتدخين‏,‏ يثير الأزمات داخل المجتمع‏,‏ ويهدد كيانه الاجتماعي والديني‏,‏ ويجعلنا أضحوكة أمام العالم‏,‏ يسيئون به للعلم والعلماء عندما يصفونه بالمفكر والعالم‏,‏ لم لا نحولها لشباب المبدعين؟ وحتي المواقع الرسمية للأحزاب السياسية جميعها‏,‏ وجرائدها الرسمية ومواقع الجماعات الشهيرة‏,‏ تبحث عن المواضيع الأكثر شهرة‏,‏ وتكتظ صفحاته بأخبار الرياضة والفن مع الفارق الشرعي أكثر من العلم‏.

‏أما مواقع الجامعات المصرية فعقمها وفقرها يجعل الشباب يفر منها‏,‏ وهو ما يوضح كيف يتعاملون مع العلم والعلماء‏,‏ والمواهب الجديدة والأفكار التي لا تحتاج إلا إلي بداية الطريق كي تنطلق‏,‏ وبدلا من عشرات الإجراءات التي تسبق إنشاء جمعية أو مؤسسة لرعاية الموهوبين في العلوم والآداب‏,‏ لم لا تختصر تلك الإجراءات لننتشل الشباب من مستنقع البطالة والفشل؟ فهل آن الأوان كي يستنسخ سياسيو الشرق تجارب العالم الناجحة ويمدوا يدهم للشباب بالدعم والمساندة‏,‏ كي يرقعوا أثوابهم بهم‏,‏ بعدما بليت وأصبحت سوءاتهم ظاهرة أمام القاصي والداني‏.‏

من مدونة عماد رجب

الاهرام العربي : العدد 590 السبت 12 / 7 / 2008

No comments: